أبو هادي مدير الموقع
عدد المساهمات : 94 تاريخ التسجيل : 06/04/2012
| موضوع: ملزمة/الهوية الأيمانية الخميس مايو 03, 2012 9:11 pm | |
|
[center]دروس من هدي القرآن الكريم
الهوية الإيمانية
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ :
31/1/2002م
اليمن ـ صعدة
هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.
وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.
والله الموفق.
إعداد:ضيف الله صالح أبو غيدنة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
)الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ(6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7) ( (2) سورة الفاتحة
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد.
السلام عليكم أيها الأخوة ورحمة الله وبركاته.
نشكر لكم في المقدمة حضوركم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب أجوركم.
في هذه الجلسة سيكون حديثنا حول مقارنة بين خيارين أمامنا.
وقبل أن نتحدث عن هذا الموضوع سيكون مقدمة حديثنا حول قول الله سبحانه وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ *لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (285- 286) سورة البقرة. صدق الله العظيم.
هذه الآية الكريمة هي الهوية الإيمانية لأنبياء الله ورسله وللمؤمنين جميعا، هي البطاقة الكاملة العناوين لأنبياء الله ورسله والسائرين على طريقهم من المؤمنين بهم، هي تقرير للمؤمنين أنه هكذا يجب أن يكون إيمانهم ، هو تعريف بالمسيرة الإلهية لأنبياء الله ورسله والصالحين من عباده جيلا بعد جيل، شملت وبصورة موجزة المجالات الإيمانية الكاملة بدأ من الإيمان بالله سبحانه وتعالى. وهكذا تتصدر الآية الكريمة بالتقرير على الإيمان بالله، ثم تنتهي بالمواجهة لأعدائه.
أنه إيمان على غير هذا النحو ليس إيمانا، إيمان لا يبدأ من الله وينتهي بالمواجهة مع أعداءه فليس هو إيمان الرسل والأنبياء والصالحين من عباد الله، لقد جاءت هذه الآية بصيغ إخبارية في التقريرات الإيمانية؛ لتوحي لنا بأنه هكذا يكون الإيمان، الإيمان الذي هو إيمان الأنبياء والرسل والصالحين من عباد الله .
وكما كررنا أكثر من مرة أن الإيمان، أن العقائد في الإسلام العظيم كلها عملية، إيمان يترك تأثير على النفس ، ثم نفس تترك تأثيرا في واقع الحياة، ما عدا ذلك يعتبر إيمانا أجوف لا يقدم ولا يؤخر، ولا ينفع لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأول المؤمنين بهذا الإيمان هو الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى وآله .
إن الآية هذه نزلت في القرآن الكريم الذي هو خطاب للناس جميعا في هذه الأمة والتي أولها الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى وآله ، هكذا إيمانه، وأن نعرف بأنه هكذا كان إيمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، يعني ذلك أنه بغير إيمان من هذا النوع لا نكون صادقين حتى في إيماننا بالرسول صلوات الله عليه وعلى وآله ، ولن نلتقي معه في الطريق الإيمانية ولا في غاية تلك الطريق لا في الدنيا ولا في الآخرة، أو لم يقل الله له: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء}؟. لست منهم في شيء، لا تلتقي مع محمد صلوات الله عليه وعلى آله، لا تلتقي الأمة مع رسولها صلوات الله عليه وعلى وآله ، إلا في طريق إيمانية واحدة هي هذه الطريقة التي بدأ الخطوة عليها الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله ، هو الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله آمن بما أنزل إليه من ربه، وعندما آمن بما أنزل إليه من ربه كانت مصاديق ذلك الإيمان كلها حركة، كلها حركة نشطة كلها عمل، كلها استقامة وثبات، كلها إخلاص لله سبحانه وتعالى وانقطاع إليه وثقة عظيمة به؛ لأن ما أنزل إليه هو أنزل إليه من ربه الذي أرسله، وأرسله إلى من؟ هل إلى نفسه؟ أم إلى البشرية كلها؟.
الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام
هل كان الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله يكتفي بأن يبلغ الآخرين، ويرشد الآخرين، وبعض الآخرين، ويأمر وينهى أولئك الآخرين ثم هو يَقْبَع في زاوية من زوايا مسجده ويدعو لأولئك، أو يدعو على أولئك؟!. أم أنه كان هو في مقدمة المؤمنين في كل الميادين؟.
الإيمان بالرسول صلوات الله عليه وعلى وآله الذي يجب أن يترسخ في نفوس من يحملون العلم برسالته يجب أن ينطلقوا هذا المنطلق الذي انطلق منه الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله وأن يتحركوا بحركته.
لكن للأسف ما نشاهده عند الكثير ليس على هذا النحو الذي كان عليه الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله ، يجلسون في زوايا بيوتهم، أو في زوايا مساجدهم وَيَعِضُونَ الآخرين، أو يدعون للآخرين، وأحيانا ينطلقون لمعارضة العاملين في سبيل الله، وهم يؤمنون بما أنزل إلى رسول الله صلوات الله عليه وعلى وآله هذا القرآن العظيم ، ويؤمنون بالنبي محمد صلوات الله عليه وعلى وآله لأنه في الوقت الذي نرى فيه هذه الآية هي تقرير للمؤمنين كيف يجب أن يكون إيمانهم؟.
هي في نفس الوقت توضح لنا ما هو مقاييس صحيحة وصادقة ننظر من خلالها إلى بعضنا البعض ونقيم على أساسها مواقف بعضنا بعض، فلا نتسمى باسم الإيمان، ولا نتسمى باسم أولياء الله، ولا نحمل اسم الصالحين إذا لم يكن إيماننا على هذا النحو.
{والمؤمنون} آمن الرسول وكذلك المؤمنون كل منهم آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله نفسه والمؤمنون كل منهم آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله.
الإيمان بالله سبحانه وتعالى هل هو فقط مجرد تصديق بأنه إلهنا؟. وأنه ربنا؟ أم أنه لا بد أن يكون إيمانا واعيا، إيمانا عمليا، إيمانا يبعث على التطبيق، إيمانا يعزز الثقة في نفوسنا بالله سبحانه وتعالى فيما وعد به أولياءه في الدنيا والآخرة. هو من قال سبحانه وتعالى في كثير من آيات كتابه الكريم: أنه سيكون مع أوليائه المؤمنين سيكون مع عباده الصالحين، سيكون مع عباده الصابرين، هو من طمأنهم على أنه سيكون معهم، فأي عذر لهم في أن يقعدوا عما أراد منهم أن يتحركوا فيه؟، عما أراد منهم أن يعملوا به؟، عما أوجب عليهم أن يدعوا إليه؟.
الإيمان بالله وكذلك الإيمان بملائكته، والإيمان بملائكة الله له قيمته الكبرى، له أثره الكبير عند من يعرف الملائكة، وعند من يعرف الدور الذي يقوم به الملائكة، قد يرى الناس أنفسهم في ظرف من الظروف وهم عازمون على أن يتحركوا في ميدان المواجهة لأعداء الله، ولكنهم قد يرون أنفسهم قليلا، وقد نرتاح فيما إذا بلغنا أن هناك منطقة أخرى تتحرك نفس التحرك، أو عددا من الناس ينطلقون نفس الانطلاقة، ويقفون نفس الموقف، أليس ذلك مما يعزز من معنويات أنفسنا؟.
الإيمان بالملائكة باعتبارهم جند من جند الله، الإيمان بالملائكة متى ما كنت في طريق تصبح فيها جديرا بأن تحظى بوقوف الملائكة معك فإنك قد ترى في ميادين المواجهة آلافا من الملائكة من جند الله ينطلقون وبكل إخلاص وبكل نصيحة وبما يملكون من خبرة عالية لتثبيت قلوب المؤمنين متى ما توجه الأمر الإلهي إليهم { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ } (12) سورة الأنفال.
قد لا نشعر نحن بقيمة الإيمان بالملائكة وقد لا يشعر كل إنسان قاعد، كل إنسان لا يحمل هم العمل في سبيل الله، لا يكون إيمانه بالملائكة إلا مجرد تصديق بأنهم عباد مكرمون وأنهم كما حكى الله عنهم، { لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم . لكن في أن يترك ذلك الإيمان أثرا في نفسك لا يحصل شيء لأنه ليس في ميدان يرى فيه قيمة إيمانه بالملائكة، لكن أولئك الذين ينطلقون في ميدان العمل في سبيل الله سيعرفون أهمية الإيمان بملائكة الله سبحانه وتعالى.
لقد تحدث القرآن عن دور للملائكة في بدر، وفي يوم الأحزاب، وفي أيام غيرها في حركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أولئك الذين خرجوا وعددهم قد لا يزيد على نحو ثلاثمائة شخص إلا عددا قليلا الله وعدهم بأنه سيعزز بجند من عنده يبلغ عددهم أضعاف أضعاف أولئك، هناك سيعرف الإنسان قيمة إيمانه بالملائكة وسترى بأنه لست أنت وحدك في ميدان المواجهة، سترى تلك المجاميع الصغيرة من المؤمنين بأنها ليست وحدها في ميدان المواجهة بل هناك آلافا من ملائكة الله سبحانه وتعالى، الذين ليسوا كمثلنا يقعدون، ويتثاقلون، ويعصون ويتحايلون، ويتهربون، ويبحثون عن مبررات. لا .. هم من ينطلقون انطلاقة واحدة { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم.
الله أكبر..الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود..النصر للإسلام
فإذا كانت معنوياتك ترتفع عندما تسمع بأن هناك عددا قد يكون أقل من هذا أو أكثر فإن عليك أن ترتفع معنوياتك وتستشعر القوة إذا ما كنت في طريقة ستقف معك فيه آلاف من ملائكة الله، إذا ما توجه الأمر منه سبحانه وتعالى إليهم، فقط عليك أن تبحث عن كيف تؤهل نفسك، على تلك المجاميع أن تبحث عن كيف تؤهل نفسها لتكون جديرة بأن تقف ملائكة الله معها.
فإيماننا بالملائكة هو إيماننا بجند من جنود الله، متى ما تصدر أمر إلهي نحوهم انطلقوا لتثبيت نفوس المؤمنين، فهم من سينطلقون بكل جد، وبكل إخلاص، وبكل نصح، ينطلقون ولديهم خبرة ولديهم معرفة، فيكون لهم تأثيرهم الكبير في تثبيت نفوس المؤمنين، أو في أي عمل يأمرهم الله أن يقوموا به ، إذاًُ لا بد من إيماننا بملائكة الله.
يأتي أيضا الإيمان بكتب الله، الكتب السابقة إضافة إلى القرآن الكريم، التوراة والإنجيل والزبور وغيرها كصحف إبراهيم وغيرها من الكتب السماوية الإلهية ما نعرفها وما لا نعرف أسماءها.
{ورسله} الإيمان بكتب الله ورسله السابقين له أثره أيضا فيما يتعلق بنفوس العاملين في سبيل الله حينما يرون أنفسهم بأنهم امتداد لخط إلهي واحد يتمثل في خط كتب الله ورسله والسائرين على نهج كتبه ورسله جيلا بعد جيل وعصرا بعد عصر، منذ أول نبي وأول كتاب إلى خاتم الأنبياء وخاتم الكتب القرآن الكريم وسيدنا محمد صلوات الله عليه وعلى وآله ، هناك تشعر بطمأنينة، أنك تمشي وتسير في هذا الخط، الذي رسمت لك غاياته ونهايته في آيات القرآن الكريم، العاقبة التي يصير إليها أولياء الله، الجزاء العظيم الذي يناولونه في الدنيا وفي الآخرة، سترى نفسك لست وحيدا، وهكذا الرسول صلوات الله عليه وعلى آله عندما انطلق لحمل الرسالة، تنزلت آيات الله عليه لتخبره بأن هناك أنبياء سابقين عليه أن يؤمن بهم، أن يهتدي بهم، أن يصبر كصبرهم، مجرد إخباره بأنه واحد من سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين السابقين له أثره الكبير في نفسيته في ميدان العمل، وهكذا المؤمنون.
الإيمان بكتب الله أيضا هو إيمان بتدبير الله الدائم المستمر للسابقين من عباده والمتأخرين، بقيامه سبحانه وتعالى بهداية عباده السابقين والمتأخرين، وأنه لم يأت في عصر من العصور ليهمل عباده، ولم تقفل ملفات كتبه في أي زمن من الأزمنة، ولا عن أي جيل من الأجيال على امتداد التاريخ، إيمان بوحدة الرسالات، إيمان بوحدة الهدي الإلهي لعباده.. هذا ما يتركه الإيمان بكتب الله في نفوس المؤمنين من أثر تركه قبل في نفس الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله .
{ورسله} الإيمان برسل الله سواء من عرفنا أسمائهم في كتاب الله الكريم ومن لم نعرف عنهم { ورسلا قد قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم عليك} رسل أخبر الله محمدا صلوات الله عليه وعلى وآله بأسمائهم في كتابه الكريم، ورسل آخرين لم يخبره بأسمائهم.
الإيمان من جانبنا برسل الله يعني إيمان بأن الله سبحانه وتعالى – كما ذكرنا يتعلق بالكتب- لم يهمل عباده في أي فترة من فترات الأمة، لم يهملهم عن نبي من أنبيائه أو عن ولي من أوليائه، ووارث من ورثة كتبه يسير على نهج أي نبي من أنبيائه السابقين الذي تركوا كتبا في أممهم.
الإيمان بالرسل كشخصيات مهمة، أشخاص مهمون اصطفاهم الله، أكملهم الله لم يكونوا أناسا عاديين، أنت حينئذ ستحس وأنت تؤمن بأولئك العظماء على امتداد التاريخ تحس بافتخار، بعز برفعة نفس، أن قدواتك على امتداد التاريخ، أن من أنت تسير على نهجهم وعلى طريقهم هم أناس عظماء اصطفاهم الله وأكملهم واختارهم لأن يكونوا المبلغين لدينه، لهديه إلى عباده.
الإيمان بالرسل نحن بحاجة ماسة إليه على هذا النحو، والقرآن الكريم عرض لنا عددا كثيرا من الأنبياء والرسل، وشرح لنا كثيرا من أحوالهم، وأورد كثيرا من نصوص دعواتهم، وأبان كثيرا من أساليب دعوتهم، وكشف لنا كثيرا عن خصائص نفسياتهم فيما تحمله من جد، من اهتمام، من إخلاص، من نصح من حرص على البشر لهدايتهم إلى صراط الله المستقيم.
الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام
في مسيرة الرسل صلوات الله عليهم الكثير من الدروس، الكثير من العبر، لكنها كلها لن يكون لها قيمة، وهذه هي المشكلة أن من رضي لنفسه بأن يظل جامدا فكل شيء لن يكون له قيمة لديه، متى انطلقت , متى شعرت بتحمل المسئولية أمام الله سبحانه وتعالى , أن تكون من أنصار دينه , أن تكون من العاملين في سبيله , حينها ستعرف قيمة كل شيء، وأهمية كل شيء، كم من الأنبياء في القرآن الكريم عرفنا كثيرا من أخبارهم، عرفنا كثيرا عن تلك الأمم التي بُعثوا إليها. ولكن نمشي على كل تلك القصص المهمة دون اعتبار دون استلهام ما نحن بحاجة إليه من واقع تلك الشخصيات المهمة، دون تعرف على السنن الإلهية، دون تعرف على الأساليب المهمة التي يجب أن يتوخاها، وأن يعمل بها العاملون في سبيل الله.
هكذا ستجد في سيرة الأنبياء، في أخبار الأنبياء، في قصصهم ما هو عبرة لأولي الألباب، ما هو دروس مهمة ، ما هو دروس عظيمة ومهمة.
الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله أخبرنا القرآن الكريم بأنه كان بحاجة إلى أن يقص عليه أنباء الرسل السابقين قبله، وقص عليه من أنباء الرسل، وقال: بأن الغاية من ذلك هو {ما نثبت به فؤادك}، لأن فؤاد النبي صلوات الله عليه وعلى وآله فؤاد رجل قلب رجل مهتم يعمل، يتحرك، وأمام كل الأحداث أمام كل المتمردين، أمام كل المعاندين ، أمام كل الظروف والمواقف الصعبة، سيكون لأخبار الأنبياء السابقين أثره الكبير في تثبيت فؤاده {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } (120) سورة هود{ {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ } (111) سورة يوسف. رسل الله وتلك الأمم التي بعثوا إليها عدد كبير، وأمم كثيرة، وأجيال متعاقبة، وأزمنة مختلفة، ونفسيات متعددة، وأحوال متباينة.
من حسن حظنا نحن المسلمين الذي نحن آخر الأمم أن كان بين أيدينا رصيد عظيم رصيد مهم مليء بالعبر والدروس، مليء بالمواقف المتماثلة، والمواقف المتباينة، كلها دروس مهمة، تراث مهم.. فمن العجيب، ومن الغريب أن تضل أمة بين يديها هذا التراث العظيم هذا الرصيد المهم الذي عرضه القرآن الكريم بين يديها. تجد في أنبياء الله – على الرغم من كمالهم هم في أنفسهم باعتبار الظروف وباعتبار نوعيات الأمم التي بعثوا إليها- تجد وحدة الأنبياء ، روحية الأنبياء الواحدة على اختلاف الزمان والفارق الكبير بين كل نبي ونبي تشعر كأنك أمام مجموعة من التلاميذ عاشوا في زمن واحد، وتلقوا تعليمهم على يد أستاذ واحد، هذا نفسه هو شاهد حي على أن بإمكان منهج الله سبحانه وتعالى وهديه أن يبني أمة متوحدة.
من الذي يقرأ أخبار أولئك الأنبياء ثم لا يلمس أنه أمام روحية واحدة ونفس واحدة؟ تقرأ عن نوح، عن إدريس، عن إبراهيم، وهكذا وهكذا إلى أن تصل إلى نبينا محمد صلوات الله عليه وعلى وآله إذا بك ترى نفسك أمام مجموعة واحدة كلها على قلب رجل واحد، نظرتها إلى الحياة واحدة، اهتمامها بعباد الله واحد، تفانيها لنقول لأنفسنا نحن في هذه الأمة التي تفرقت وتمزقت بعد أن حذرها الله في كتابه الكريم، ونهاها عن التفرق والاختلاف، وأن لا تقع فيما وقعت فيه الأمة السابقة، أو جملة من الأمم السابقة قبلها {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم} نقول لأنفسنا: ما الذي فرقنا؟ هل هو دين الله؟ هل هو هدي الله؟ إن هدي الله استطاع أن يوحد ويخلق روحية واحدة بمجاميع من أنبيائه ورسله وأوليائه على اختلاف عصورهم، على اختلاف بيئاتهم، على اختلاف مجتمعاتهم.
لنقول لأولئك الذين يشرعون الاختلاف، ويؤصلون للفرقة: ليست هذه هي روحية الأنبياء، ليست هي الروحية التي يمكن أن يخلقها هدي الله في نفوس الأمة، ليعرفوا هم جسامة الخطأ الذي ارتكبوه، وما زالوا يرتكبونه، أن ينطلقوا إلى أولئك الذين سيكونون هم الفئة التي تنطلق لإصلاح المجتمع، الفئة التي تحمل دين الله، ليقولوا لكل واحد منهم أن له صلاحية أن ينطلق معتمدا على نفسه فيدين بما أداه إليه نظره واجتهاده، مع علمهم ومع علمنا جميعا بالتباين الذي يحصل في وجهات النظر وفي النتائج التي تحدث بناء على اختلاف وتعدد وجهات النظر.. هل هذا دين الله؟ ليس هذا دين الله. نرجع إلى هدي الله في كتابه الكريم الذي أبان لنا أمة واحدة، وليس فقط الأنبياء بل عرض علينا شخصيات أخرى من أوليائه، ومجاميع أخرى من أوليائه ليبين لنا نفسياتهم كيف هي وهم في ميدان الاهتداء بهدي الله والالتزام بدينه، والعمل في سبيله، تراهم كذلك نموذجا واحدا تراهم نفسيات واحدة ، ونظرة واحدة ، ووعي واحد.
هذا مما يمكن أن نستفيده من خلال التعرف على أنبياء الله ورسله في القرآن الكريم، تجد في نفس الوقت الأمم التي بعث إليها الأنبياء والرسل كيف كانت أساليبهم واحدة، كيف كانت بواعث تمردهم وعنادهم ودعاياتهم ضد الأنبياء واحدة، {تشابهت قلوبهم} هكذا قال الله عنهم، إنما أحيانا – وهو الشيء الطبيعي- مع تعاقب الأمم أن تكثر الدروس وتتعدد المواقف التي تتجلى من خلالها الدروس والعبر في هذا الاتجاه أو في هذا الاتجاه، فإذا نحن نرى في أنفسنا أن بين أيدينا تراثا مهما، رصيدا مهماً لكننا نحن ونحن طلاب علم نرجع إلى الأنبياء أو نظرتنا للأنبياء فنجد أنها نظرة غير واقعية وغير حقيقية بسبب الأخطاء الثقافية التي تلقيناها فقدمت لنا الأنبياء مجموعة من المساكين الذين لا يعرفون كيف يتحركون، والذين لا يكادون يعرفون كيف يتكلمون، أناس لا حنكة لديهم، أطياب مساكين الله ، فلم يكن هناك ما يمكن أن يجعلنا نستلهم من حياتهم، ومن أساليبهم، ومن حركاتهم ، ومن أعمالهم ومن مواقفهم الدروس المهمة.. فإذا بنا نعطل تلك الآيات الكثيرة. على الرغم من قول الله لنا في كتابه الكريم: إن في قصص الأنبياء تثبيتا لفوائد نبيه.
رسول الله صلوات الله عليه وعلى وآله الذي نؤمن بأنه سيد الرسل كيف نظرتنا إليه؟ ومن أين يمكن أن نتعرف على شخصيته بالشكل الذي يملأ نفوسنا حبا له، وشعورا بعظمته، وكمال نفسيته، وكمال شخصيته، وقدرته الهائلة، وذكائه الكبير؟.
متى ما جئنا إلى السير التي تحمل عنوان سيرة النبي صلوات الله عليه وعلى وآله ثم نأتي فيتحدثون عن مولده ونبذة بسيطة من الإرهاصات التي حصلت عند مولده، ثم يبدأ المؤلف غزوة بدر، بعدها غزوة أحد بعدها غزوة كذا غزوة كذا. يتحدث عن الغزوة كم عدد المسلمين كم كان عدد الكافرين، ما الذي حدث أخيرا، متى كانت ومتى انتهت، ثم ينتقل إلى الغزوة الأخرى، فنخرج من كتب السيرة ولدينا معرفة بتواريخ أحداث غزوة بدر غزوة أحد غزوة حنين غزوة كذا إلى آخره، ولكن أين هي شخصية محمد صلوات الله عليه وعلى وآله التي تعرفنا عليها من بين ذلك الركام من كتب السيرة؟. بل نقرأ في كتب الكلام الأساليب التي توجهنا إلى كيف نعمل ونحن نستدل، ونحن نحتج ونحن نناقش، ونحن نبحث، ونحن نجادل الآخرين، وحتى ونحن ندعو الآخرين، وإذا بنا نرى أنفسنا بعيدين عن شخصيات الأنبياء وعن أساليبهم بما فيهم سيدنا محمد صلوات الله عليه وعلى وآله .
بل سترى أخيرا أن منطق الأنبياء ليس منطقيا وهم يتحدثون مع أممهم، وكأنهم لم يجيدوا ترتيب ونظم المقدمات المنطقية لإقناع أممهم. هكذا علمنا المعتزلة، وهكذا علمنا الأشعرية، هكذا علمتنا الثقافة الخاطئة، كيف لا نعتمد على كتاب الله ولا نستلهم ونحن في ميدان العمل شيئا من حياة أنبياء الله ورسله.. هذه هي الخسارة ونحن كلما حاولنا أن نبحث في جانب وجدنا أنفسنا أمام إشكاليات، أمام ضياع، أضعنا هنا الشيء الكثير، وأضعنا هنا الشيء الكثير، وضلينا هنا وضلينا هنا بسبب هذا وبسبب هذا.
الإمام الخميني رحمة الله عليه هو الشخص الوحيد – فيما أعلم – ممن قرأت لهم – ومقرواتي قليلة – لكني لم أسمع حتى ولا ممن قرؤوا أكثر مني عن آخرين، هو الشخص الذي كان يقول للناس: يجب علينا أن نهتم بدراسة حياة الأنبياء، وأن نتعرف على الأنبياء، وأن نستلهم منهم – ونحن في ميدان العمل- الكثير الكثير من أساليبهم وحركتهم، أن نتعرف على حركة الأنبياء، والقرآن الكريم قدم هذا. نحن كدعاة ونسمي أنفسنا أحيانا دعاة لماذا لا نحاول أن نتعرف على أساليب الأنبياء في الدعوة؟. أساليب مهمة، أساليب بالغة الدقة، وشخصيات قوية ومواقف جريئة، مع تواضع كامل لله، مع رحمة عظيمة بعباد الله، وحرص على هدايتهم.
ننطلق لنبحث عن أي كتاب هنا أو هناك مما كتبه الإخوان المسلمون أو غيرهم ولا نكاد نعرج على أخبار أنبياء الله إلا في القليل النادر، رسل الله هم سلسلة واحدة، وطريق واحد وصف واحد، وأمة واحدة. ورسل الله جاءوا بديانات وكان أعظم الديانات، وأعظم الرسل هو سيدنا محمد صلوات الله عليه وعلى وآله ، والإسلام العظيم، وهذا الكتاب الكريم الذي جعله الله مهيمنا على كل ما سبقه من الكتب؟!. فلماذا تفرق الناس؟. لماذا ندرس ونتعلم كيف نتفرق؟!. ثم ندين بالاختلاف؟!. فيصبح واجبا، يصبح التفرق حتما لا مفر منه، ونصبغه بصبغة شرعية، أليس هذا هو نكران لنعمة الله العظيمة بهذا الدين العظيم؟. أليس هو كفر بنعمة الله المتمثلة في نبيه محمد صلوات الله عليه وعلى وآله وفي القرآن، وفي الإسلام العظيم؟.
{لا نفرق بين أحد من رسله} ولن تفرق مسيرة واحدة، روحية واحدة، نفسية واحدة، وعمل واحد، لا بد أن تؤمن بهم، وإيمانك بهم هو إيمان أيضا بعدل الله وحكمته ورحمته لأن كل رسل الله هم رحمة لعباده، وكل رسل الله هم بمقتضى حكمته لأنه هو الملك، هو الرب، هو الإله، وكل البشر عبيد له فلا يمكن أن يتركهم دون أن يبين لهم ما يهديهم، دون أن يكون لسلطاته نفوذ فيهم عن طريق كتبه ورسله. هكذا المؤمنون لا يفرقون بين أحد من رسله، والمسلمون هم الوحيدون الآن في إيمانهم على هذا النحو {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } (286) سورة البقرة . لكن اليهود لا يؤمنون بعيسى ولا بمحمد، والنصارى لا يؤمنون بمحمد صلوات الله عليه وعلى وآله فهم مفرقون بين رسل الله، أما نحن والحمد لله فنحن مؤمنون برسله جميعا موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام ومحمد صلوات الله عليه وعلى وآله ومن سبقهم من أنبياء الله. ولكن للأسف أننا افترقنا عنهم جميعا نحن لا نفرق بينهم لكننا في واقعنا مفارقين لهم جميعا.
الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام
فرسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى وآله الإيمان برسالته العمل وفق ما هدى إليه وأرشد إليه هو يجسد الإيمان الذي لا تفريق فيه بين رسل الله، ولكن لو عرضنا أنفسنا وواقعنا على ما كان لدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إيمان وعلى ما أرد رسول الله صلوات الله عليه وعلى وآله وهذا القرآن الكريم أن نكون عليه لوجدنا أنفسنا بعيدين جدا وابتعادنا عن محمد صلوات الله عليه وعلى وآله في واقعنا ملموس وهو ابتعاد أيضا عن بقية الأنبياء.
بل سنرى أنفسنا – وهو الموضوع الذي نريد أن نتحدث عنه هذه الليلة- كيف أننا أيضا بعيدون عن موسى عليه السلام ومتأثرون باليهود، عن روحية موسى، عن اهتمام موسى، عن جدية وحركة موسى عليه السلام، وأصبحنا نميل إلى المفسدين الذين تنكروا لشريعته، وتنكروا للتوراة، وتنكروا لمحمد، وتنكروا للقرآن، أليست هذه مفارقة لموسى؟.
ونحن أيضا نفارق عيسى عليه السلام ونلتجئ إلى النصارى ونتولى النصارى الذين هم اليوم ليسوا على منهاج عيسى، اليهود اليوم وقبل اليوم الذين ليسوا على منهاج موسى ولا على طريقته ولا على كتابه، رأينا أنفسنا مباينين لمحمد صلوات الله عليه وعلى وآله ، ثم رأينا أنفسنا أمام موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام في القرآن وأمام اليهود والنصارى في واقع الحياة فإذا بنا وراء اليهود والنصارى وبعيدين عن موسى وعيسى ونحن من نقول في إيماننا {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } (286) سورة البقرة لأن كل واحد من أنبياء الله في حركته في مسيرته ما أنت بحاجة إلى أن تهتدي به.
{لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } (286) سورة البقرة . ولا يعني ذلك بأن تعود أنت لتدين برسالة موسى التي كانت قبل رسالة عيسى وبرسالة عيسى أن تدين بها عمليا والتي كانت قبل رسالة محمد صلوات الله عليه وعلى وآله .
أنت لو حاولت هذا لأصبحت مفرقا فعلا لأنك حينئذ سترى في الإسلام أنه ليس لب تلك الرسالات، ليس غاية تلك الرسالات، ليس الشامل لكل تلك الرسالات، فأقول سأعود إلى هذا لأنه هذا لا يكفي، وأعود إلى هذا لأن هذا لا يكفي فأنت تفرق، بل أنت ستحك على كل ديانة بمفردها بالنقص، الإيمان الذي هو إيمان لا تفريق فيه بين أنبياء الله هو الإيمان برسالة محمد صلوات الله عليه وعلى وآله ، فالقرآن الكريم يؤكد لنا بأنه كتاب مهيمن على ما سبقه من الكتب ومصدق لما بين يديه من الكتب، فإيماني بالقرآن التزامي بالقرآن هو إيمان والتزام وتطبيق لدين الله الذي أراد أن يتعبدنا به، وأن يهدينا إليه، ما عرفنا منه وما لم نعرف.
ألم يقل هو لمحمد صلوات الله عليه وعلى وآله {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } (13) سورة الشورى . هذه شريعة الله الواحدة ونحن عندما ننطلق في الإيمان بهذا أو بهذا بعد هذا الإيمان أيضا بمجموعهم كرسل لله هو استجابة لله سبحانه وتعالى، وهذا هو ما كان يريده من اليهود ومن النصارى أن يقول لهم هو من يبعث الرسل. فالرسول الذي أنتم تؤمنون به موسى،والرسول الذي تؤمنون به عيسى الذي بعثه وأرسله هو الله الذي بعث محمد وأرسله، فلماذا لا تؤمنون به؟ له الأمر وحده ، له الحكم وحده، له التدبير وحده، هو الذي يبعث من يشاء من رسله متى ما شاء ومن أي فئة شاء، فإيمانك بالله يفرض عليك أن تؤمن بهذا النبي كما آمنت بالنبي الذي قبله، أن تؤمن بهذا الكتاب كما آمنت بالكتاب الذي قبله، بل نحن في إيماننا نحن المسلمين بموسى وعيسى وغيره من الأنبياء السابقين إنما كان عن طريق إيماننا بمحمد وبالقرآن، فلولا محمد ولولا القرآن لما صح لنا إيمان بهم، ولما عرفناهم، ولما اعترفنا بهم.
أحيانا يقول اليهود: نحن وأنتم مختلفون في محمد ومتفقون على موسى، لماذا لا ننطلق جميعا على ما نحن متفقون عليه؟ وقد يقول النصارى: نحن وأنتم مؤمنون بعيسى ومختلفون في محمد، لماذا لا ننطلق جميعا على ما نحن متفقون عليه؟. نقول لهم: إنما آمنا بموسى وعيسى عن طريق محمد فإذا لم تصح نبوته فلا صحة للنبوات السابقة قبلها لدينا، وهكذا المؤمنون يقول الله عنهم: { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } سمعنا وأطعنا سمعنا كتبك، سمعنا رسلك سمعنا هديك وأطعناك، وهذا هو في واقعه ميثاق بين الناس وبين الله، ميثاق أعطيناه الله على أنفسنا، ألم يقل: {وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا}؟. أن ترى نفسك في وضعية لا بد أن تقول فيها سمعنا وأطعنا، أن ترى أنه لا مناص من أن تقول: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } وهو ما نحن عليه، أليس كذلك؟ إذاً نحن أعطينا ميثاقا لله أن نلتزم، والمؤمنون هكذا يقولون: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } سمعنا وأطعنا، والطاعة أليست لا تتجسد إلا في الالتزام في العمل؟. متى يمكن أن تكون مطيعا إذا لم يكن هذا منك إلا مجرد قول. سمعنا وأطعنا انطلقنا لنعمل وفق ما سمعنا.
وعندما قال المؤمنون: سمعنا وأطعنا لم يكن من منطلق التمنن على الله سبحانه وتعالى والشعور بالقفزة الكبيرة إلى حيث لا يرون في أنفسهم أي تقصير {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} ونحن سمعنا وأطعنا هديك من منطلق شعورنا بضرورة أن نؤمن بهديك وحاجتنا الماسة إلى هديك الذي جئت به على يد رسلك نحن بحاجة إليه في حياتنا،نحن نحس بالشرف العظيم لنا أن نهتدي بهديك ، نحن نحس بأنفسنا أن تتزكى بهديك، إلى أن تتطهر من الذنوب بهديك، فلك المنة علينا، وأنت من نرجع إليه في كل تقصير يحصل منا.
{ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } ما أكثر ما يتكرر هذا الأسلوب في القرآن الكريم، ليقول لأولئك الذين يتمنون على الله بأنهم استجابوا، بأنهم اهتدوا أن عليهم أن يفهموا أن هذه النظرة إلى أنفسهم نظرة مغلوطة، نظرة سيكون ضحيتها إيمانهم، سيكون ضحيتها مصيرهم، سيكون ضحيتها زكا أنفسهم {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ } (17) سورة الحجرات . المنة لله على عباده، ونحن عندما نرجع إلى هدي الله الواسع، نحن مسلمين نحن من في هذه القاعة، ألسنا نتعرف كثيرا عندما نرجع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى عندما نسمع شيئا عنه ونتعرف على كثير من التقصير لدينا فيما يتعلق بهدي الله، حينئذ انطلق وقل لله: غفرانك ربنا عما بدر من تقصير.
هدي الله واسع، ومجالات العمل به واسعة، مجالات النفس التي انطلق لتزكيتها واسعة، إشكالياتها كثيرة، أدناسها متعددة، أمراضها كثيرة، انطلق دائما فكلما اكتشفت علاجا لمرض نفسك كلما اكتشفت وسيلة كنت بعيدا عنها لتزكية نفسك حينها قل: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ َ} (286) سورة البقرة
الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام
الإيمان بالله الذي ينطلق الإنسان فيه من واقع الشعور بأنه عبد لله، بتواضع لله، بشعور بحاجته إلى هدي الله هو من ينطلق ليتلمسه ويبحث عنه، ما هو الشيء الذي أنا لا بد أن أعرفه؟. ما هو العمل الذي أنا لا أزال مقصرا فيه؟. ينطلق ويعتذر إلى الله سبحانه وتعالى من كل تقصير يكتشفه، لكن ذلك الذي دخل بنفس المُتَمَنِّن على الله أو على أوليائه الذين انظم إلى صفهم هو من لا يفكر بأن لديه تقصيرا ما، هو من لا يفكر بأنه ما يزال بحاجة إلى معرفة ما، أنه ما زال بحاجة إلى اهتداء كثير في مجالات كثيرة، يعيش نفسا تنظر إلى محيطها بنظرة اختيال وكبرياء وإعجاب وغرور فيعيش جاهلا، يعيش ضالا، يعيش قاصرا وناقصا، لأن الإنسان الذي يمن على الله أن استجاب لهديه هو من ينظر إلى نفسه نظرة اختيال وإعجاب، ومن ينظر إلى نفسه نظرة إعجاب نظرة اختيال، هو من لا يفكر أو من لا يشعر أيضا بأن لديه قصور، أو أن لديه نقص، أو أنه بحاجة إلى أن يعرف منك أو يعرف من هذا أو يزداد معرفة حتى بكتاب الله الكريم.
{وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} إليك مرجعنا في كل أمورنا في هذه الدنيا وإليك مرجعنا في الآخرة بعد الدنيا فنحن من نحن بحاجة إلى أن نقول سمعنا وأطعنا لأن إليك مرجعنا لأن إليك مصيرنا.
{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (286) سورة البقرةهذا مما يؤمن به المؤمنون من أن الله سبحانه وتعالى فيما أنزله إلى رسله، فيما دعا إليه رسله، فيما قالوا فيه وله: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} كله تشريع كله هداية فيها سعة لنا ونحن نتحرك فيها، ونحن نلتزم بها، ليس فيها تكليفات لا نطيقها، ليس فيها تشريعات لا نطيق أن نتحملها كلها مما هي في وسعنا أن نعملها وأن نلتزم بها، وسنعرف هذه. وهذه قضية مهمة يجب أن نعرفها لأننا أصبحنا الآن في واقعنا ننظر إلى كثير من تشريعات الإسلام ونعدها في قائمة المستحيلات، منها توحد الكلمة، منها الجهاد في سبيل الله، منها العمل على إعلاء كلمة الله، منها العمل على إقامة دولة الإسلام، كل هذه في قائمة المستحيلات.
المؤمنون يرون أن كلما أوجبه الله عليهم، كلما دعاهم إليه، كلما شرعه لهم، كلما هداهم إليه كله { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} داخل هذه الدائرة، ولكن بجهلنا نحن، نحن الذين صنفنا مجموعة كبيرة من هدايته من تشريعاته المهمة في قائمة تكليف ما لا يطاق، في قائمة المستحيلات، في سجل الغائبات، أليس هذا ما هو حاصل؟.
تحصل هذه عند من ينظر إلى الدين في مهمته في الحياة نظرة تجزيئية، لي وحدي، ولك وحدك ولهذا وحده إلى آخره. أنظر إلى الدين كدين للأمة وأنك واحد من بناء هو صرح الأمة حينها سترى الإسلام مترابطا، وتراه لكل مجالات الحياة شاملا، أن تنظر إلى التشريعات التي شرعها الله سبحانه وتعالى، إلى كل ما هدانا إليه، إلى كل ما ألزمنا به كمنظومة واحدة، وستجدها حينئذ كلها يخدم بعضها بعضا، ويهيئ بعضها للوصول بك إلى البعض الآخر الذي تراه في قائمة المستحيلات، لكن أن تنظر نظرة تجزيئية للتشريعات الإلهية وللهدي الإلهي ستراها متباينة عن بعضها البعض، ثم لا تدري وإذا بك ترى مجموعة كبيرة منها في قائمة المستحيلات.
فتعيش أنت حياتك وأنت تنظر إليها هذه النظرة، وطلابك الذين علمتهم يعيشون حياتهم أيضا من بعدك وهم ينظرون هذه النظرة، وكذلك أبناؤك، وكذلك مجتمعك الذي تتحرك فيه لإرشاده، وتمر في الحياة الكثير من المتغيرات التي تجعلك لا تفهم علاقتها بهذا أو بهذا، من الأشياء التي قد جعلتها وصنفتها في قائمة المستحيلات، ستمر بك وأنت لا ترى لها قيمة ولا تلمس لها أثرا، ولا تلتفت إليها.. ثم في الأخير تتعبد الله جهلا بالذل الذي أنت فيه ، وبضياع الحق الذي أنت وغيرك من الأمة عليه، وتحت سيادة الباطل وانتشار الفساد تتعبد الله أنك مسكت على ما تبقى من دينك، وأصبحت تنظر إلى ما تبقى من عمرك يوما بعد يوم يمر لتقول في الأخير: هذه دنيا وإن شاء الله ينتهي كل شيء ثم ندخل الجنة عندما نحشر بين يدي الله.
ما يدريك؟ ربما لا يكون بينك وبين الجنة أي صلة، ربما لا تكون ممن يسير على طريق الجنة لأنك من جئت لتجزئ طريق الجنة الذي هو الصراط المستقيم فتصنع فيه العقبات، تلك التشريعات التي جعلتها مستحيلات، ذلك الهدى الذي جعلته بعيد التأثير، أنت هنا شقيت طريقا للجنة لا تصل بك ولا بالآخرين ممن يسيرون عليها إليها، طريقا مليئة بالمستحيلات، ومن الذي سيصل الغاية عن طريق المستحيلات؟. هل أحد؟. هل المستحيل يؤدي إلا إلى المستحيل؟.
حينئذ يجب علينا جميعا أن نراجع أنفسنا وأن ننظر إلى دين الله نظرة صحيحة، إنها شريعة سمحة، إنها شريعة كلها تحت قول الله سبحانه وتعالى: { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (185) سورة البقرة . { مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم فيْ الدَين مِّنْ حَرَجٍ}. لكن أسأل كثيرا من المتعلمين كم ستطلع لك في قائمة الحرج من أشياء كثيرة فترى نفسك من يغمض عينيه إذا ما مر بقول الله سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (185) سورة البقرة يريد بنا من خلال ماذا؟ من خلال هديه، من خلال تشريعه، وهو هو من قال للمؤمنين بأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها لا يكلف نفسا إلا ما آتاها، لأنه هكذا الإنسان عندما ينظر إلى التشريعات ينظر إلى نفسه فيرى أنها صعبة بالنسبة إليه ، أنت عندما تنظر إلى نفسك النظرة الأولى انظر إلى دين الله بأنه للأمة ، انظر إلى دين الله وهديه بأنه تشريع مترابط، ثم انظر إلى نفسك في الأخير سترى بأنك لم تكلف أنت شخصيا إلا ما فيه سعة.
نحن مثلا، من في هذه القاعة، ألسنا نرى أن بإمكاننا أن نتوحد؟. ما الذي يمنعنا على أن نتوحد؟ هل هناك قرار دولي ي [/center] | |
|